جامع الاثار المطبوعة لشيخ الإسلام ابن تيمية

المدخل إلى الجامع

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآله، وبعد:

فقد كان من توفيق الله لي أن كان موضوع بحثي في مرحلة الدكتوراه -في تخصص أصول الفقه- متعلقاً بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ولما كان الشرط الذي وضعته لنفسي في هذه الرسالة= استقراء جميع ما وصل إلينا من تراث الشيخ -رحمه الله- كانت الخطوة الأولى في البحث متعلقة بجمع كل ما طُبع من كتبه -رحمه الله-، ثم ترتيبه وتصنيفه، وتليها المرحلة الثانية وهي القراءة والجرد، ثم الثالثة والرابعة وهكذا إلى آخر البحث -يسّره الله إتمامه وأعان على إتقانه-.

فبدأت في الجمع والحصر لكتب الشيخ، فصنعت فهرسا لنفسي أدوّن فيه كل كتاب يمر عليّ، وطفقت أنظر في قوائم المصادر ومسارد المراجع في كتب الشيخ المحققة، وفي الرسائل الجامعية المسجلة، وفي مقدمات المحققين وتعليقاتهم، إضافة إلى الكتب المصنفة في سيرة الشيخ وترجمته، مع استقراء الجهود المبذولة في جمع آثار الشيخ -رحمه الله- وهي كثيرة، وفي كل منها ميزة وإضافة.

وكنت طيلة فترة الجمع أقيّد وأحذف، وأضيف وأعدّل، فقد يُسمى الكتاب في مكان باسم ويسمى في موضع آخر باسم مختلف، وهو في الحقيقة كتاب واحد، وقد يكون الكتاب مستلا من مصنف مفرد، أو متضمنا في مجموع خاص، إلى غير ذلك من الأمور التي يقف عليها قاصد الفهرسة.

وقد رأيت أن القوائم التي قصدت إلى جمع آثار الشيخ رحمه الله تباينت في الاستقراء والإحاطة من جهة، وفي التعميم والتخصيص من جهة أخرى، فبعضها قصد الحصر وقاربه وبعضها قصد الأشهر وحدده، وبعضها يجمع المطبوع والمخطوط والمفقود، ويسجل كل عنوان نًقل أن الشيخ قد كتب فيه وصنّف، وبعضها يقتصر على المطبوع دون المخطوط، وبعضها بالعكس، وبعضها يجمع المصادر في العلوم كلها، وبعضهم يخصصا بعلم معين، وهكذا، وجميعهم أحسن وأفاد، فكتب الله أجورهم.

وبسبب كثرة تصانيف الشيخ وتعددها وتفرّق مخطوطاتها واختلاف طبعاتها وتعدد نشراتها، كان قصد الحصر الكلي المقارب في فهرسة آثار الشيخ المطبوعة والمخطوطة والمفقودة، مهمة صعبة تحتاج إلى متخصص ممارس وباحث مدقق، إضافة إلى طول الزمن الذي تتطلبه مثل هذه المهمة العظيمة، فرأيت أن تكون محددات هذا الفهرس الذي وضعته لنفسي مضبوطة بمحددين أساسين:

الأول: الاقتصار على المطبوع من كتب الشيخ حصرا دون غيرها، فهو محل اهتمامي ومقصد جمعي، وبهذا يخرج من هذا الجمع كل مصنف ما زال في حيز المخطوط أو المفقود.

الثاني: أن كل رسالة أو قاعدة أو مسألة أو مصنف وُجد ضمن كتب المجاميع، فأكتفي بالإحالة إلى المجموع الذي هو فيه، دون ذكره كمصنف مفرد.

فعلى سبيل المثال: رسالة "الفرقان بين الحق والبطلان"، موجودة في مجموع الفتاوى (13/5-229)، فلا أضعها كمصنف مفرد في هذا الفهرس، بل أكتفي بالإحالة إلى مجموع الفتاوى كما في هذا المثال أو إلى غيره، وهكذا، ومثل هذا الصنف كثير جدا.

وفي ظني أن هذه الطريقة أفضل للقارئ غير المتخصص في تراث الشيخ، والذي يريد أن يعرف ما وصل إلينا منه مجملا، دون تفصيل لمسمى كل قاعدة ومسألة، فإن إفراد ذكر كل ما تضمنته هذه المجاميع من رسائل وفتاوى وقواعد ومسائل يشتت من نظر القارئ ويصعّب من مهمة استيعابه للمطبوع من تراث ابن تيمية -رحمه الله-، وغالب هذه الرسائل والمسائل إذا أراد القارئ الوقوف عليها فلن يكون إلا من خلال هذه المجاميع، فكانت الإحالة إليها كافية، ثم إن فهارس هذه المجاميع والأعمال التي عليها قريبة التناول وسهلة الوصول، ويمكن للباحث أن يطلع عليها ليتعرف على المسائل والقواعد والمصنفات التي تضمنتها.

وتبقى شروط الفهرسة وضوابطها ومحدداتها أمر اجتهادي، تتفاوت فيه الأنظار وتتجاذب فيه الآراء، بحسب كل جامع وأهدافه، ويُحاكم كل جمع إلى محددات واضعه.

وبهذين المحددين جمعت هذا الفهرس بعد نظر متكرر على كل مظنة أقف فيها على جمع لكتب الشيخ أو إحالة لها، وقد استفدت من كل المحاولات السابقة في هذا الجمع، ونظرت في إجابات كثير من المتخصصين على مواقع الشبكة المنشورة، وخصوصا المشايخ الفضلاء: د. عبدالسلام الحصين، والشيخ محمد عزير شمس، د. علي العمران، د. محمد يسري -رحمه الله-، وغيرهم، وكذلك في مقدمات محققي بعض كتب الشيخ مثل "الصارم المسلول" و"النبوات" وغيرها، فجزاهم الله خيرا وجعل ما كتبوه في ميزان حسناتهم.

وخلصت بعد هذا كله إلى هذا الجمع الذي بين يديك في هذا الموقع، والذي من استوفاه نظرا وقراءة، يكون قد طالع -بإذن الله- جلّ تراث شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- المطبوع.

واعلم أخي القارئ أني كنت قد صنعت هذا الفهرس لنفسي أولا ولا نية لي في نشره، ثم لما تكرر سؤال من يعرفني عنه ونشرته بين بعض الأصدقاء من طلاب العلم، ولاقى استحسانهم، رأيت أن أنشره كما هو لعموم طلاب العلم، ولا أدعي فيه الكمال، فما هو إلا خطوة متواضعة لا تكتمل إلا بتضافر جهود الباحثين والمهمتين، استدراكا وتصويبا وإضافة وتقويما، ولأجل ذلك وضعتُ صفحة خاصة للتواصل عبر هذا الموقع، بحيث يكون إثراء هذا الجامع عملا تشاركيا مستمرا.

وقد حرصت أن يخرج هذا الجامع في هذا الموقع بأبهى حُلة، وأيسر كُلفة، فإن لم نُحسن في الإحاطة والحصر، نكون قد أحسنا في الإظهار والعرض، ورأيت أن أقسّم هذا الجامع إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المصنفات:

وهي الكتب التي صنفها الشيخ -رحمه الله- وطُبعت محققة بشكل مفرد، ولم توجد ضمن المجاميع الموجودة في القسم الثاني.

القسم الثاني: المجاميع:

وهي الكتب التي قصدت إلى جمع طائفة من كتب الشيخ -رحمه الله- ورسائله وقواعده وفتاويه.

القسم الثالث: الاختيارات:

وهي الكتب التي نقلت لنا اختيارات الشيخ -رحمه الله-، وقد ضمنتها هذا الجامع؛ لأن القارئ قد يقف فيها على كلام للشيخ نُقل عنه ولم يصلنا عبر المطبوع من تراثه.

وقد وضحت في مقدمة كل قسم، بعض الإشارات المهمة في آلية الجمع ليسهل على الباحث الوقوف على مرداه منه.

وأما بالنسبة لطريقة عرض هذه الكتب في هذا الجامع، فكانت بأن أعرّف القارئ بالكتاب من خلال بيان هذه المحاور:

وفي قابل الأيام -بحول الله- سنزيد على كل كتاب محاور أخرى، منها محور خاص بالأعمال التي على الكتاب: من شروح وتعليقات ودراسات ونحو ذلك، بحيث تكون إثراء لكل ناظر ودارس لهذا الكتاب المعين.

بارك الله في هذا الجامع، وغفر الله لأبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية، وأنزل على قبره شآبيب الرحمات، وعلى والدينا وعلمائنا، وجمعنا بهم في جنة الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين




محاضر أصول الفقه بجامعة جدة
والمشرف على شركة نديم
شهر رمضان المبارك لعام 1441هـ
obaidDH@